بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى والدين وصلى الله وسلم على حبيبه المصطفى الأمين سيدنا محمد وآله الغر الميامين وأصحابه الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد:
فهذا بيان موجز عن بعض إيجابيات وفوائد الزواج المبكر
فإنه أمر مرغوب فيه ومندوب إليه؛ لما يحققه للرجل والمرأة من سكينة النفس وصيانة الخلق ومواكبة الذرية([1]).
ونعني بالزواج المبكر في هذا البيان: (زواج الشاب) بعد بلوغه ورشده وقدرته على دفع المهر والقيام بالنفقة وتوابعها (وتزويج المرأة) بعد إطاقتها للمعاشرة الزوجية، فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز جواز ذلك، وفعله النبي e وحث عليه وفعله أصحابه الأكرمون، واتفق علماء المسلمين على جوازه، ولم يحددوه بالسن، وجعلوا حد وجوب تسليم الزوجة إطاقة المعاشرة، وتميزت به المجتمعات الإسلامية فأثمر فيها طهراً وعفافاً بفضل الله عز وجل ومع ذلك فإن له كثيراً من الفوائد الاجتماعية والصحية كما ذكرها أهل الاختصاص.ولا توجد أضرار للزواج المبكر في ذاته، ولكن هناك أمور عارضه لا تختص بالزواج المبكر يمكن معالجتها بالتوعية.
محتويات البحث
ويحتوي البحث على مقدمة وأربعة محاور.
المقدمة: في الفوائد الدينية للزواج المبكر.
المحور الأول: الزواج المبكر في الإسلام.
المحور الثاني: الفوائد الصحية للزواج المبكر.
المحور الثالث: الفوائد الاجتماعية للزواج المبكر.
المحور الرابع: تساؤلات عن الزواج المبكر.
المقدمة
الفوائد الدينية للزواج المبكر
إن للزواج المبكر بعد البلوغ والتهيؤ للمعاشرة الزوجية فوائد كثيرة وعظيمة ينالها كل من بادر بالزواج مبكراً ويحظى بتلك الفوائد وسلم من أضدادها، ومن تأخر في الزواج ربما يقع في شبكة شيء من أضدادها فمن أهمها:
1) إحصان الفرج وغض البصر من أول وقت الشباب الذي هو أخطر مراحل المراهقة قال الله تعالى: )وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ([ الأحزاب35]
وقال عليه الصلاة والسلام: ( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) رواه البخاري ومسلم. والشاب هو: من حين البلوغ إلى سن الثلاثين([2]) فالزواج المبكر طريق للعفاف والطهر والصلاح، وبالمقابل فهو يقلل من الوقوع في الرذيلة والانحراف الخلقي، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه المثيرات، وقلت فيه الضوابط.
2) السكن الروحي الذي يملأ الفراغ الناشئ مع المراهقة ويثمر الاستقرار النفسي عند الشاب، المشار إليه بقوله تعالى)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا([الروم21]
3) تبادل الود و الرحمة الذي ينتج للشباب السلامة من الضياع العاطفي والانجراف وراء الأوهام الباطلة، قال تعالى: )وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً([الروم21]
4) إنجاب الذرية الكثيرة، تلبية لقوله e: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) أخرجه أبو داود, فالتزوج مبكراً يكون سبباً في كثرة الذرية.
5) التمتع الصحي والحماية من الأمراض الخبيثة، فإن المتزوج مبكراً يسلم غالباً
من تلك الأمراض الناتجة عن الشذوذ الجنسي بغياب الزواج الشرعي.
المحور الأول:
الزواج المبكر في الإسلام
ويحتوي على:
1. نماذج من الزواج المبكر في زمن النبي e.
2. وصيته e بالمبادرة بالزواج للرجل والمرأة
3. حكم الزواج المبكر عند علماء المسلمين.
4. البلوغ وإطاقة المعاشرة الزوجية.
5. الحيض أول مؤشر لتكامل نمو الأعضاء التناسلية.
نماذج من الـزواج المبكر للنساء والرجال
في زمن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي e: تزوّجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين، رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري([3]).
والسبب في زواجه e من عائشة ما رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفيت خديجة, قالت خوله بنت حكيم وذلك بمكة يا رسول الله ألا تزوج قال: من؟ قالت إن شئت بكراً, وإن شئت ثيباً, قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر, قال: فمن الثيب؟ قالت: سوده بنت زمعة آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه قال: فاذهبي فاذكريهما عليّ.
وأخرج الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أنها لما قدمت المدينة وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته، فأدخل سوده بنت زمعة أحد تلك البيوت وكان يكون عندها, فقال له
أبوبكر: ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ (فبنى بي)الحديث([4]).
فعرض خوله لعائشة على رسول الله e، وموافقة والدي عائشة بدون تردد، ثم قول أبي بكر بالمدينة لرسول الله: ما يمنعك أن تبني بأهلك. فذلك يدل على أن الزواج في هذه الحالة معروف في تلك الأوساط والمجتمعات.
وقد زوج النبي e ابنته فاطمة الزهراء وكان سنها يوم تزويجها خمسة عشر سنة وخمسة أشهر ذكره ابن الأثير في أسد الغابة([5])، وكان سن الإمام علي رضي الله عنه عشرين سنة، وهذا هو المتوسط من الأعمار في تزويج الرجال والنساء.
وتزوج أسامة بن زيد زينب بنت حنظلة وعمره أربعة عشر عاماً([6]). وهاجرت أسماء بنت عميس إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب وكان سنها خمسة عشر سنة.
فالحق سبحانه وتعالى ورسوله e هما الأعلم بمصالح العباد ومنافعهم ولا يشرع الحق على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام إلا ما فيه مصلحة الدنيا والآخرة.
وصية ا لنبي e
للشباب بالمبادرة بالزواج لمن استطاع الباءة
وأن لا يؤخر زواج المرأة إذا وجدت كفؤا
قد حث النبي صلوات الله وسلامه عليه الشباب على المبادرة بالتزوج لمن استطاع الباءة فقال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) الحديث.. وحث على تزويج المرأة إذا تقدم لها كفؤ فقال: (ثلاث لا تؤخروَهُنّ: الصلاة إذا أتت, والجنازة إذا حضرت, و الأيّم إذا وجدت كفؤاً) رواه الترمذي والحاكم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد رمز الإمام السيوطي في الجامع الصغير لحسنه.
قال الحافظ أبن حجر: الأيّم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق، وقد تطلق على من لا زوج لها أصلا. ونقله عياض عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما أنه يطلق على كل من لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة، بكراً كانت أو ثيباً، وحكى الماوردي القولين لأهل اللغة.([7])
فيستحسن الإقبال على الزواج بعد البلوغ والرشد في سن مبكر، لأنه أفضل للصحة وأحفظ للأخلاق، وأدعى إلى تحمل التبعة، والشعور بالمسؤلية وتربية الأولاد في سن مبكر، وأفضلية التبكير بالزواج أيضا لأنه من سنن الفطرة، ومن سنن الأنبياء والمرسلين.
الزواج المبكر جائز باتفاق علماء المسلمين
لم يحدد النبي e ولا خلفاؤه ولا أصحابه سناً للزواج وكذلك الفقهاء من أئمة المذاهب الإسلامية الناظرين في أدلة الشريعة المطهرة والمصالح العامة، وإنما اشترطوا لوجوب تسليم الزوجة لزوجها وجواز البناء بها: أن تكون مطيقة للمعاشرة الزوجية، وقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله من الآية الشريفة )وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ([ الطلاق:4] باباً خاصاً في كتاب النكاح من صحيحه فقال: (باب إنكاح الرجل ولده الصغار) لقوله تعالى )وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ( فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح بعد المس أو فسخ بعد المس، فقد أثبت الله تعالى لها زواجا وطلاقا.
قال ابن بطال رحمه الله تعالى: أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم, إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال([8]).
وقال الإمام النووي رحمه الله: وأجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث -أي (حديث زواج السيدة عائشة رضي الله عنها ) رواه البخاري ومسلم
وقال أيضا: وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وإن اختلفا فقال أحمد و أبو عبيد: تسلم بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي و أبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسن، وهذا هو الصحيح[9].
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: أما البكر الصغيرة -أي تزويجها قبل البلوغ- فلا خلاف فيها، قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن ذلك جائز إذا زوجها من كفؤ[10].
البلوغ و إطاقة المعاشرة الزوجية
الغالب في إطاقة المعاشرة الزوجية، أن تكون بعد البلوغ وعلاماته ثلاث.
الأولى: الاحتلام في الذكر والأنثى وإمكانه بعد تمام تسع سنين قمرية تقريبية.
الثانية: الحيض باتفاق العلماء, وإمكانه بعد إكمال تسع سنين قمرية تقريبية, ولكن البلوغ بالحيض يختلف باختلاف، البلاد وباختلاف طبائع النساء.
قال الشيخ العلامة الداعية الإسلامي محمد سعيد البوطي: إن ميقات النضج الجنسي في الفتيات يختلف باختلاف البيئة والمناخ، فالبلاد الحارة كالجزيرة العربية وكثير من البلاد الإفريقية تبلغ فيها الفتاة مرحلة الطمث، ومن ثم مرحلة الأنوثة الناضجة في سن مبكرة. إنه لشيء مألوف في مصر مثلا أن ترى الفتاة الطمث وهي في العاشرة. وربما رأته في كثير من مناطق نجد والسودان ونيجيريا قبل ذلك إلى آخر كلامه[11].
وقال الدكتور يوسف الحاج أحمد[12]: ومن الثابت أن للحيض صلة عضوية بجهاز الحمل في جسم المرأة, وأن الله جلّت حكمته جعله من أسباب الحمل ووصول الغذاء إلى الجنين مدة الحمل, فالأطباء المختصون يقولون: الدورة الشهرية التي تعتري المرأة من البلوغ حتى اليأس ما هي إلا استعداد متكرر للحمل, فالرحم يحضر نفسه كل شهر مرة لاستقبال الحمل، فإن لم يحصل الحمل تخلص من آثار استعداداته تلك وحاض وبدأت الدورة التالية.
وقال الدكتور محمد علي البار: ووقت البلوغ يختلف من أمة إلى أخرى، كما يختلف بين الفتى والفتاة، فالفتاة أسرع نموا من الفتى، فتبلغ في العادة قبل بلوغه.. وفي البلاد الحارة يكون البلوغ مبكراً أكثر منه في البلاد الباردة، كما إن ذلك يختلف نتيجة بعض العوامل الوراثية، فيختلف من شعب إلى آخر ولو كانوا يعيشون في نفس المنطقة، وقد لاحظ فقهاء الإسلام أن البلوغ لدى الفتاة قد يبكر جداً فيكون في السنة التاسعة وخاصة في المناطق الحارة، وقد يتأخر في بعض المناطق الباردة إلى سن الثامنة عشر.. وأغلب وقوعه في مابين الثانية عشر والخامسة عشر في البلاد الحارة، والرابعة والسادسة عشر في البلاد الباردة. [13]
الثالثة: البلوغ بالسن ويكون بعد إكمال خمسة عشر سنة عند الجمهور, وهو تحديد ثابت لا يتغير في كل زمان ومكان، هذه هي المراحل التي تنتهي بها الطفولة في الشريعة الغراء وإن أخطر مراحل المراهقة، الفترة التي بعد البلوغ.
والبلوغ عند الفتاة هو الفترة الزمنية التي تتحول فيها من طفلة إلى بالغة, وخلال هذه الفترة تحدث تغييرات فسيولوجية وسايكولوجية عديدة, ويرتبط البلوغ بعوامل جينية أي وراثية وعوامل معيشية وصحية وفي آخر هذه الفترة يحدث الحيض وعندها تصبح الفتاة بالغة. وأولياء الأمور يستطيعون تقدير أمور الزواج المتعلقة ببناتهم، وهم أشفق الناس وأحرصهم على مصالح بناتهم الدينية والدنيوية.
الحيض أول مؤشر لتكامل نمو الأعضاء التناسلية
يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ علوم التشريح في جامعة عين شمس بالقاهرة: والحيض هو أول علامة من علامات البلوغ وأهمها، ويصحب بداية الحيض تغيرات كاملة في جسم الفتاة وفي نفسيتها وشخصيتها فتتحول من طفلة بريئة تلهو وتلعب إلى فتاة يانعة يافعة يعتدل قوامها ويمتلئ جسمها بطبقة دهنية تحت الجلد.. ويتسع الحوض متخذ شكلاً مناسباً يتفق مع العمل الذي خصص له، ويكتمل نمو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمبيض الذي يقوم بعملية الإبياض السابقة للطمث.. وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة يتخذ كل منهما شكله وحجمه وقوامه وبنيانه وموضعه في البالغ.. ومن الجدير بالذكر أن هذه التغيرات الهائلة ليست إلا نتيجة لهرمون تفرزه حويصلة جراف بناءً على أوامر الغدة النخامية[14].
ولقد سمى الله تعالى الرحم (القرار المكين) حيث قال: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ( [سورة المؤمنون 12ـ 13]، فالرحم موضع في الحوض الحقيقي لهيكل المرأة الذي يحم الرحم من كل عدوان خارجي[15].
ويحفظ الحوض في الأنثى أجهزتها التناسلية الهامة: الرحم والمبيض وقناتي الرحم والمهبل.. كما يحفظ لكلا الرجل والمرأة المثانة ومتعلقاتها، والمستقيم ومتعلقاته، والأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب[16].
ووضع الرحم في الطفلة غير وضعه في الأنثى البالغة، ففي الطفلة يبرز الرحم من أعلى الحوض إلى تجويف البطن بينما في الأنثى البالغة يقع الرحم في وسط الحوض تماماً، ويهبط الرحم تدريجياً كلما نمت الطفلة واتسع حوضها حتى يصل إلى مكانه في سن السادسة حيث يكون قد قارب وضعه المعروف.. ومن ثم يبتدئ في النمو البطيء المتوصل حتى يبلغ أوجه في سن البلوغ[17].
وقال الدكتور شفيق بن عبد الملك[18]: ويمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لقيامه بوظيفة هامه إضافية تتطلب منه بعض الضروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل، فحوض المرأة أوسع واقصر، وعظامه أرق وأقل خشونة وأبسط تضاريساً، وحوض الرجل أعمق وأضيق من حوض المرأة فتضاريسه أكثر بروزاً وخشونةً، والحوض على متانته له مفاصل أربعة يمكن من خلالها أن يتحرك قليلا حتى يزداد اتساعه وخاصة عند الحمل والولادة، بينما حوض الرجل لا يكاد يتزحزح. وقد أوضح العلم الحديث أن هرمون الحمل البروجسترون يقوم ضمن وظائفه العديدة في تيسير حركة مفاصل الحوض حتى يتسع ويؤثر على الأربطة المتينة المحكمة ويقول لها أرخي من قبضتك قليلا فتسمع له وتطيع وترخي من قبضتها الحديدة، فيزداد الحوض اتساعاً حتى يتسنى للرحم أن يكبر ويتضاعف حجمه إلى آلاف المرات.
فإذا قرب موعد الولادة انضم رسول آخر من الغدة النخامية يسمى الهرمون المرخيreIaxin فيقول للحوض اتسع فيتسع وعند ذلك يمر الطفل في ذلك الطريق الضيق قال تعالى )ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ( [عبس:20].
المحور الثاني
الفوائد الصحية للزواج المبكر
أولاً: ذكر الدكتور حسام الدين عفانه[19] أن البحوث العلمية والدراسات العالمية تثبت أنه لا يوجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 ـ19 سنة هذا ما أثبته العالم الأمريكي satin من texasـparkland hospital
إن ايجابيات الزواج والحمل والإنجاب في سن مبكر عديدة منها:
1) الإخصاب: -إمكانية الحمل- إن نسبة الخصوبة -أي الحمل خلال فترة الزواج- عند الفتيات في سن مبكر تفوق الفتيات في الأعمار الأخرى.
2) الأورام الحميدة والخبيثة: إن أورام الثدي والرحم والمبايض هي أقل عند النساء اللواتي يبدأن الحمل والإنجاب في السنين المبكرة.
3) الحمل المهاجر -خارج الرحم-: يثبت العالم الأمريكي rupin في أبحاثه عام 1983م أن حالات الحمل خارج الرحم هي 2، 17/ 1000عند النساء اللواتي يزدن عن 35سنة، وأن النسبة تقل إلى 4،5/ 1000 عند النساء اللواتي تتراوح أعمار هن 15ـ 24سنة.
4) الإجهاض: في بحث للعالم الأمريكي hawen تزيد نسبة الإجهاض من 2-4 أضعاف عند النساء بعد 35سنة من العمر.
ومن المثبت طبيا أن الأمراض المزمنة تبدأ بالظهور أو تزيد استفحالا كلما تقدم الإنسان عمراً، وهذه الأمراض المزمنة تزيد مخاطر الحمل والإنجاب وأحيانا تقف عائقا للحمل والإنجاب.
ثانيا: الإسلام يدعو إلى الحفاظ على الصحة:
إن الدين الإسلامي يحرم على المسلم أن يعرض نفسه للخطر أو يوقعها في الضرر قال الله تعالى )يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ( [البقرة: 185]
وقال تعالى: ) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ( [ النساء28] وقال تعالى: )وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً( [النساء29].
وقال e: (لا ضرر ولا ضرار) [20]، وكل ما جاء في تحريم الظلم من الآيات والأحاديث دليل على تحريم الضرر لأنه نوع من الظلم.
فإن نفس المسلم أمانة عنده وليست ملكاً له، فلا يجوز له شرعاً أن يلحق بنفسه ما يوقعها في الضرر من غير مبرر شرعي, والدين الإسلامي قبل الطب يدعو إلى الوقاية والحفاظ على الصحة ويدعو إلى تجنب كل ضرر يلحق الإنسان.
وقد قرر العلماء رحمهم الله تعالى أن الشخص إذا علم بأن العسل الذي هو شفاء للناس يضره حرم عليه استعماله.
الثوابت الدينية لا تتعارض مع الحقائق الطبية
إن أحكام الشريعة الثابتة بأدلة صحيحة لا تتعارض مطلقا مع حقائق الطب الثابتة بطرق صحيحة، وحينما يحصل الاختلاف فإنما يكون لأحد أمرين:
الأول: أن يكون الأمر المختلف فيه ثابتا شرعا بأدلة صحيحة من كتاب الله أو سنة رسوله e، فحينئذ تكون الكلمة الفاصلة للشريعة؛ فكم من نظرية علمية تداولتها الألسن والأقلام واعتقد أنها حقيقة لا جدال فيها، ثم حصل الرجوع عنها بعد ذلك، وذلك لأنهم بشر معرضون للصواب والخطأ.
أما الأمر الذي يثبت عن رسول الله e بطرق صحيحة، فإنه حقائق علمية لا تقبل التغير بحال؛ لأنه صادر ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, حتى وإن لم ندرك الحكمة منه، لأننا سندركها بعد ذلك أو سوف يدركها من يأتي بعدنا, تحقيقا لوعد الله سبحانه حيث يقول: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ( [فصلت53].
الثاني: أن يكون الأمر المختلف فيه لم يثبت شرعا، والحقائق الطبية تثبت ضرره بأدلة يقينية، فحينِئذ تكون الكلمة الفاصلة، للطب.
والزواج المبكر: ثابت بالقرآن، وفعل النبي e، وأصحابه، واتفاق علماء المسلمين علية.
المحور الثالث
الإيجابيات الاجتماعية للزواج المبكر
إن الزواج سنة اجتماعية، ومن دواعي الفطرة الإنسانية، وطريق لبناء الأسرة المتعاونة المتماسكة، المحققه للصون والعفاف. وإيجاد الأسرة ضرورة، وإنجاب الذرية محقق لبقاء النوع الإنساني، واستمرار نظام المجتمع المتقدم.
فللزواج المبكر إيجابيات اجتماعية عديدة تجني الأسرة والمجتمع ثمارها في مراحل الحياة نذكر منها مايلي:ـ
أ) حصول الأمن والاستقرار، فتأمن الأسر والعائلات على أولادهم وبناتهم من الوقوع فيما لا تحمد عقباه وحصول الطمأنينة على حفظ أخلاقهم وأعراضهم.
ب) تحمل الزوجين المسؤولية، وعدم الإعتماد على الآخرين، فتتعود الفتاة على الشجاعة في إدارة شؤون المنزل، ويضاعف الشاب جهوده، ويسعى لتحقيق العيش الرغيد لعائلته ومجتمعه المصغر الجديد.
ج) الاستقرار النفسي والشعور بالطمأنينة، وإلغاء مظاهر البطالة والخمول والكسل، وملء الفراغ الناشئ مع المراهقة ومنع اللهوث وراء الأحلام الزائفة والضياع النفسي والعاطفي.
د) التقارب في السن بين الآباء والأبناء ليتمكن الآباء والأمهات من رعاية أولادهم ويسهل التعامل معهم والتنازل إلى مستواهم.
هـ) عند وصول الآباء والأمهات إلى بداية مراحل الشيخوخة, يكون الأبناء قد تجاوزوا مرحلة الطفولة, ويستطيعون القيام برعاية آبائهم وأمهاتهم والإنفاق عليهم, وإسعادهم في الكبر كما أسعدوهم في الصغر.
و) القدرة على تربية أولادهم التي ينشدونها ويطمحون إليها, لأنهم إذا كبروا صاروا أكثر انشغالاً بصحتهم, وبما يتراكم على أذهانهم من مشكلات, فينشغل عن مهمة عظيمة ألا وهي تربية الأولاد.
ز) القيام بأعباء المسؤولية أحسن قيام, إذ أن السن المبكر يخفف من متاعب الحياة الأسرية وذلك بسبب روح الشباب ولقوته الجسدية والعقلية المتوفرة والنامية, تنشأ الأسرة في أجواء الشباب.
ح) تفادي العنوسة عند الفتيات حتى لا يصيبها اليأس لفوات حظها, فان أغلى ما تتمناه الفتاة في حياتها زوج أمين كريم يحنو عليها ويحصنها وتحصنه يرفع عنها العزوبة والتأيم والضياع. فعمر الفتاة كعمر الزهرة الوردية, فإذا حرمت الزواج المبكر ذبلت ولم تحصل على حقها في الحياة الزوجية, وفقدت عضويتها في المجتمع الصالح كزوجة صالحة وأم مربية حنون.
الزواج المبكر
أثمر طهراً وعفافاً في المجتمعات الإسلامية
إن الزواج المبكر كان مشهوراً ومتعارفاً علية في صدر الإسلام، وفعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومن نظر في تراجمهم ولادة وزواجاً عرف هذا[21]، ولقد توارثت المجتمعات الإسلامية ظاهرة الزواج المبكر على ممر الأزمنة التي سادت فيها العفة وتوفرت فيها الضوابط، وانعدمت المثيرات فَجَنَتْ ثمار هذا عفافاً وصلاحاً وتعاوناً على الانضباط بالأخلاق الفاضلة، بفضل الله سبحانه وتعالى وتفادت الوقوع في الرذائل والانحرافات الخلقية.
وإن من أعظم وصايا الرسول e في حق البنات بعد تأديبهن وتعليمهن، أن يكرمن ويحصنّ بالزواج إذا تقدم لهن الأكفاء، ووجدت فيهن القدرة على المعاشرة الزوجية، ليكون لهن دورا عاليا في إصلاح المجتمعات والشعوب من خلال تربية النشء، ورعايتهم وغرس الصفات الحميدة فيهم، وصيانتهم عن الفساد، ومن خلال القيام بكفاية أزواجهن لشؤون المنزل، ليتسنى لهم مواصلة أعمالهم وجهودهم ونشاطاتهم في الحياة، كما أرشدت إلى ذلك تعاليم الله ورسوله، فبذلك تكون المرأة هي المجتمع كله، وليست نصف المجتمع.
المحور الرابع
تساؤلات عن الزواج المبكر
1) متى يناسب الزواج للشاب وخصوصاً في ظل مظاهر الزواج المكلفة ؟
إن زواج الشاب بعد بلوغه ورشده وتوفر المهر لديه والاستعداد للقيام بالنفقة وتوابعها أمر مرغوب فيه ومندوب إليه لما يحققه من سكينة النفس وصيانة الخلق كما أرشد النبي إلى ذلك, وقد وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بإغناء الفقير إذا تزوج قال الله تعالى )وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ( [النور: 32] اخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: أطيعوا الله في ما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى وتلا الآية[22]. وقال عمر رضي الله عنه: عجبت لمن ابتغى الغنى بغير النكاح والله عز وجل يقول: )إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ( [النور32] [23].
وأخبر النبي e عن معونة الله الخاصة لأشخاص من المسلمين ومنهم الناكح الذي يريد العفاف. قال e: ( ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله, والمكاتب الذي يريد الأداء, والناكح الذي يريد العفاف) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم[24].
فالمقاصد الشرعية والأهداف السامية التي يحققها الزواج لا علاقة لها بالمظاهر والمراسيم التي يقلد الناس فيها بعضهم بعضا وليست في المرتبة التي تجعلها من المؤخرات لزواج الشاب أو الشابة.
2) هل الحمل في السن المبكر له ضرر على الفتاة ؟
أولا: قد سبق مقال الدكتور الأمريكي satin أنه لا توجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 ــ 19 سنة, وإن نسبة أورام الرحم والثدي والمبايض هي أقل عند النساء اللواتي يبدأن الحمل والإنجاب في السنين المبكرة وغيرها من الفوائد السابق ذكرها. وقد كثر في هذا الزمان طرق المباعدة بين الحمل المعروفة عند الأطباء فلا مانع من استخدام مالا يتعارض مع الشرع منها. فينبغي أن لا يؤخر زواج الفتاة -إذا جاءها كفؤ وصلحت للمعاشرة الزوجية- من أجل نظريات أو توقعات لم تصل إلى مرتبة الحقيقة العلمية والواقع التجريبي. فقد حث النبي e على ذلك إعفافا للفتاة وإكراما لها، وقد زوّج ابنته فاطمة في الخامسة عشر وجرى العمل على ذلك في بلاد المسلمين على ممر العصور.
ثانيا: إذا كانت الفتاة مطيقة للمعاشرة الزوجية وحظيت بالرعاية الصحية، فالغالب عدم وجود الضرر في هذه الحالة، ومن المعروف عند العلماء أن المرأة إذا لم تطق المعاشرة لمرض أو علة فلا يجوز للزوج مباشرتها حتى ولو كانت كبيرة, وقد عرفنا في ما سبق: أن البلوغ عند الفتاة إمكانه من بعد تسع سنوات بالحيض والاحتلام وبالسن بعد تمام الخامسة عشر.
ومن العوامل التى تكون سببا للضرر على الحامل: سوء التغذية وعدم الاعتناء بالغذاء المركز، خصوصا في هذه الآونة التي تنوعت فيها الأطعمة وتعلق الناس باللذيذ دون المفيد، والحامل تحتاج رعاية خاصة بصحتها في فترة الحمل سواء تزوجت في سن مبكر أم لا, وهذا بحاجة إلى توعية من البيت والأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام ودور الرعاية الصحية التي لو تم استخدامها بطريقة سليمة لأحدثت نقلة فائقة في هذا الأمر وهذا دور الأطباء جزاهم الله خيرا على ما يقومون به من خدمات و منافع لمجتمعاتهم معالجة وتوعية وقد قال الإمام الشافعي: (العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان).
وصايا طبية للأم في الحمل والولادة
يقول الدكتور محمد علي البار[25]: إذا ما علمت الأم بحملها فإن السعادة تغمرها وخاصة في الحمل الأول.. وينبغي عندئذ إجراء بعض الفحوصات البسيطة للتأكد من عدم وجود أمراض قد تعيق الحمل أو الولادة أو تسبب كثيرا من مضاعفاتها ويطمئن الطبيب في العادة على أن ضغط الدم طبيعي، وإن فصيلة الدم ليست من النوع الذي قد لا تعاني من فقر دم شديد.. ويوجهها بجملة نصائح حول غذائها:
1ـ الذي ينبغي أن يزداد فيه البروتين الموجود في اللحوم والدجاج والأسماك والبيض.
2ـ الذي تزداد فيه كمية الكالسيوم الموجود في اللبن ومنتجاته.
3ـ الذي تزداد فيه الفيتامينات والحديد والموجود بكثرة في الخضروات الطازجة والفواكه.
كما يوجهها إلى نوع لباسها بحيث لا يكون ضيقا.. وأن لا تلبس الحذاء ذي الكعب العالي. وينصحها بمواصلة نشاطها في منزلها كالمعتاد وأن تتجنب الإرهاق قدر الإمكان وتمنع من حمل الأشياء الثقيلة وأن لا تستخدم من الأدوية والعقاقير إلا ما يأمر به طبيبها.
ورغم هذا كله فلابد من بعض المتاعب التي تعتبر طبيعية في أثنى الحمل.
تسهيل الولادة[26]:
لقد جعل الله تعالى للرطب ثمر النخلة الجني المستوي الذي تم نضجه خاصة فوائد عديدة لتسهيل الولادة والإقلال من مضاعفاته ومضاعفات فترة النفاس.
وقد قص الله علينا في القرآن الكريم قصة مريم العذراء حينما حملت بعيسى عليه الصلاة والسلام فأوصاها بذلك حيث قال عز من قائل )وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً( [مريم25]. ولقد أظهرت العلوم الحديثة أن للرطب خاصة فوائد عديدة في حالة المخاض منها: أن الرطب تحتوي على مادة مقبضة للرحم، فتنقبض العضلات الرحمية مما يساعد على إتمام الولادة. ومنع النزيف بعدها فيكون دم النفاس قليل ولولا رحمة الله التي جعلت الرحم ينقبض انقباضا شديدا بعد الولادة حتى يصير مثل الكرة لنزفت النفساء حتى الموت.
وفترة النفاس ينبغي أن تكون فترة راحة للأم بعد الجهد الشاق الذي بذلته أثناء الحمل والولادة. فإن الكثير من حالات سقوط الرحم وأمراض الجهاز التناسلي تحدث نتيجة الاستعجال في الحركة والنشاط قبل عودة الرحم إلى حجمه ووضعه الطبيعي.. كما أن حالات من هبوط القلب قد سجلت نتيجة للنشاط المفاجئ بعد الولادة؛ ولذا يجب التروي في العودة إلى الحياة الطبيعية والنشاط العادي للمرأة في فترة النفاس.. وفي نفس الوقت يجب أن لا تبقى الأم النفساء طريحة الفراش، فإن ذلك مما يساعد على تكون جلطات في الساقين.. وخير الأمور أوساطها[27].
لا يمكن القضاء على متاعب
الحمل والولادة حتى زمن التقدم الطبي
قد جعل الله تعالى بحكمته الإلهية للحمل والولادة متاعب وآلام، فقال عنها في كتابه العزيز: )وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ( [لقمان14]، وقال تعالى )وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً( [الأحقاف: 15]؛ ولأجل ذلك كان جزاء الأم حسن صحبتها والتواضع لها والقيام بخدمتها، سئل النبي e من أحق الناس بحسن صحبتي؟ (قال: أمك. قال: ثم من؟ قال:أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك). وقال: عليه الصلاة والسلام: (الجنة تحت أقدام الأمهات).
وكل هذه التغيرات وأكثر منها تحصل في الحمل الطبيعي فمنها: اضطراب الجهاز الهضمي، ويتحمل القلب أثناء الحمل أعباء إضافية تبلغ ضعف ما يتحمله في الحالات العادية، وتشكو الحامل في العادة من نهج وضيق في التنفس وخاصة في الأشهر الأخيرة من الحمل وتضطرب بعض وظائف الغدة الصماء مثل الغدة الدرقية، وبفضل من الله تعالى فإن الطب الحديث والتعقيم أدى إلى خفض مضاعفات الحمل والولادة إلى حد كبير، وفي أغلب الأحوال العادية يمكن للحامل أن تلد ولادة طبيعة دون أي تدخل بل تقوم القابلة أو الطبيب المولد بتشجيع الوالدة على تحمل الألم.. ومحاولة التنفس الطبيعي والاسترخاء بين نوبات الطلق.. ورغم ذلك كله فإن الطب لم يتمكن من إزالة جميع مخاطر الحمل والولادة وإن تمكن فعلا من خفض نسبتها.. وهناك مجموعة من النساء يصبن بأمراض الكلى المزمنة وضغط الدم من جراء الحمل وبعضهن يصبن بحالات تسمم الحمل.. أما مضاعفات الحمل خارج الرحم وما ينتج عنه من انثقاب قناة الرحم مما قد يؤدي إلى وفاة الأم فلا تزال نسبة الوفيات فيها عالية ورغم أن الطب استطاع أن يخفض من حالات حمى النفاس إلا أنه لم يقض عليها حتى في البلاد المتقدمة من الناحية الطبية[28]
هل الزواج في السن المبكر يعرّض الزوجين للطلاق؟!
أولا: قد سبق بيان الضابط في الزواج أن يكون بعد البلوغ والرشد والتعريف بالمقاصد السامية للزواج ورعاية الحقوق الزوجية من الطرفين. والغالب أن الأسر المسلمة تساعد على هذا التماسك والترابط بين الزوجين، ويتم تعويد الفتاة على القيام بشؤون المنزل وتربية الأولاد الذين هما من أعظم أدوار المرأة في حياتها من قبل أمها وتوعية أبيها قبل الزواج, وأن أهل الزوج يواصلون إعانتها ويتغاضون عن تقصيرها حتى تؤدي مهمتها بنجاح، والمطلوب: أن تعود البنت على الشجاعة في إدارة شؤون المنزل وتدبيره، فتساعد في بنا ء المجتمع من خلال كفاية زوجها لشؤون البيت، حتى يستطيع أداء نشاطاته وجهوده في الحياة. ثانيا: إن الواقع المشاهد يؤكد غير ذلك، فقد كان الزواج المبكر بضوابطه المعتبرة هو الأمر السائد في البلاد الإسلامية إلى الآونة القريبة والحاضرة في بعض البلاد، ولا توجد الزيادة في نسبة الطلاق كما هي في غيرهم، وفي هذه الأزمنة ازدادت نسبة الطلاق من المتزوجين في سن متأخر لمتزوجات في سن متأخر أيضا.
تفادي ظاهرة الطلاق
تتم بمعرفة الزوجين للمقاصد الشرعية والحقوق الزوجية
إن المتأمل لظاهرة الطلاق يجد أن الأسباب الصحيحة لهذه المشكلة ترجع إلى أمرين:
الأول: غياب مقاصد وأهداف الزواج عند الزوجيين أو أحدهما، والتي من أهمها العفاف، والسكن الروحي، والترابط الأسري، والمكاثرة التي نشدها المصطفى e، والصبر والتحمل وغيرها, فصار التصور للزواج عند الكثير أنه مجرد علاقة لقضاء المتعة وإشباع الغريزة.
الثاني: عدم معرفة الزوجين بحقوق المعاشرة المطلوبة من كل منهما نحو الآخر.
فعلى الزوج: المعاشرة بالمعروف، والمهر، والنفقة، والكسوة، والقَسْم، وبقية المؤن.
وعلى الزوجة: طاعة الزوج، وتسليم نفسها له، وملازمة المسكن، والمعاشرة بالمعروف، وينبغي لكل منهما تحمل التقصير والتغاضي عن النقص في أداء الحق المتعلق بكل منهما، فبذلك تنشأ أسرة متماسكة وتعيش حياة سعيدة.
فيحسن للزوجين التعرف على هذه الأمور والاستفادة من أهل العلم في هذه المسائل قبل الإقدام على الزواج، فكما أن الشخص إذا أراد السفر مثلا أخذ بأسبابه وتابع إجراءاته, فجدير بالزوجين التعرف على المقاصد والحقوق لأنه معاشرة العمر كله بمشيئة الله تعالى.
هل الزواج المبكر يحرم الفتاة من مواصلة التعليم ؟!
أولا: لا يصلح أن يقال إن الزواج يحرمها من مواصلة التعليم, كما لا يصلح أن يقال إن مواصلة التعليم يحرمها من حقها الفطري وهو الزواج.
ومجالات التعليم والثقافة في العصر الحاضر توسعت وتنوعت فمنها: الدورات التطويرية والمراكز الصيفية, ومنها: الاطلاع والقراءة ومتابعة البرامج التعليمية مما يمكن الشخص الراغب من مواكبة ركب المعرفة والتعليم والثقافة.
وهاهو الجيش المرابط لحماية الوطن وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار فيه, لقيامه بهذه المهمة لا يواصل الدراسة بالشكل الرسمي, ولكنه يستطيع المواصلة العلمية بواسطة المجالات المختلفة السابق ذكر بعضها.
والمرأة أيضاً إذا تزوجت فتحت المجال لزوجها وأتاحت له الفرصة, ليتمكن من مواصلة جهوده وخدمة وطنه, طبيبا كان, أو عالما, أو مفكرا, أو مزارعا, أو قائما بغيرها من مصالح الأمة, وكفته وظيفة المنزل وحملت همه,و قامت بحضانة النشء ورعايتهم وصيانتهم عن الضياع وصبغتهم بالأخلاق الكريمة, فهي بانية للمجتمع.
فلقيامها بتلك المهمة العظيمة إذا لم يمكنها مواصلة التعليم بالنظام الرسمي فيمكنها عبر الوسائل المختلفة.
ولا يخفى أن المجتمع يحتاج إلى من يقوم من النسا ء في بعض المجالات كالطب وتدريس البنات مراعاة للمناسبة وتطبيقاً لما يليق بهن مما تضمنت أصول شريعتنا الغراء مراعاته, وينبغي توفير الضوابط التي تصون المرأة وتحفظ كرامتها, نذكر منها أمورا ثلاثة: الأول: تخصيص مواقع لتلك الوظائف تحقيقا للأمان الغريزي في المجتمع.
الثاني: تقليل من ساعات العمل لما جبلت عليه من ضعف عن الرجل وأنيط بها من مهام كالحمل والولادة والرضاع والحضانة وإسعاد المولود بالحنان والعاطفة, وحسن التبعل لزوجها وإدارة شئون المنزل فتحتاج إلى وقت كاف حتى تتمكن من أداءِ تلك المهام المناطة بها.
الثالث: التوعية الصحيحة للمرأة والتعريف بإرشادات المصطفى e للمرأة في ما يتعلق بخروجها ولباسها ومخاطبتها, لتعين المتعاملين معها على الانضباط بالأخلاق الفاضلة, من غير إفراط ولا تفريط.
ثانيا: التعليم منه ما هو واجب عيني, ومنه ما هو واجب كفائي, ومنه ما هو مندوب, فالواجب العيني: كمعرفة الواجبات الشرعية وما يصححها وما يبطلها, و معرفة المحرمات لاجتنابها.
والواجب الكفائي: كتعليم الواجبات ويدخل فيه الحرف والصنائع كالطب والزراعة, وإذا وجد من يقوم بالواجب الكفائي صار القيام به مندوبا في حق غيره.
والغالب أن زواج الفتاة في المجتمعات يتم بعد إكمالها المرحلة الأساسية في التعليم, وبعد أخذها نصيبا من الإلمام والمعرفة, ولاشك أن مواصلة التعليم والتوسع المعرفي أمر مطلوب و مرغب فيه لكل أحد كما في القولة المشهورة:(اطلب العلم من المهد إلى اللحد)
وقد كان للمرأة دور كبير في حمل العلم والمعرفة.
فهذه السيدة عائشة أم المؤمنين قد حملت للأمة علوما كثيرة وكان الصحابة رضي الله عنهم يستفتونها وهي من السبعة المكثرين الذين روى كل منهم عن النبي أكثر من ألف حديث، وقال الحافظ ابن عساكر: تلقيت الحديث عن ثمانين امرأة. وكتبت امرأة من حضرموت شرح المنهاج للإمام السبكي وقالت في آخره: وليعذرني من وقف عليه فإني كتبته زمن الرضاعة.
هذا آخر ما يسر الله جمعه. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح أحوال المسلمين, ويؤلف بين قلوبهم ويجمع شملهم, ويحفظ فينا وفيهم الشرف والطهر والعفاف, وأن يملأ بالسعادة أسرهم وصغارهم وكبارهم، ويرزقنا حسن المتابعة لنبيه ، ويوفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
هذا آخر ما يسر الله جمعه. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح أحوال المسلمين, ويؤلف بين قلوبهم ويجمع شملهم, ويحفظ فينا وفيهم الشرف والطهر والعفاف, وأن يملأ بالسعادة أسرهم وصغارهم وكبارهم، ويرزقنا حسن المتابعة لنبيه ، ويوفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين